بقلم سلام القدسي
في تطور مفاجئ، أعلنت أوكرانيا تنفيذها عمليات نوعية ضد قواعد جوية روسية تحتوي على قاذفات استراتيجية وصواريخ نووية، مما أثار تساؤلات حول مدى تأثير هذه الضربات على التوازن العسكري بين موسكو وكييف، وخاصة على الردع النووي الروسي. فهل نجحت أوكرانيا في إضعاف ترسانة روسيا النووية؟ أم أن موسكو لا تزال تمتلك أدوات ردع أكثر تطوراً تجعل هذه الضربات محدودة الأثر؟
سنتطرق الى أهداف الهجوم وحدود تأثيره على القوة النووية الروسية حيث ان استهداف القاذفات الاستراتيجية: هي ضربة رمزية أكثر منها حاسمة نظرا لان روسيا تعتمد على "ثالوث نووي" يتكون من:
- 1- الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs) مثل "سارمات".
- 2- الغواصات النووية الحاملة لصواريخ باليستية.
- 3- القاذفات الاستراتيجية مثل (Tu-95 وTu-160).
الهجوم الأوكراني استهدف بشكل رئيسي القاذفات الجوية، التي تعتبر أضعف حلقات هذا الثالوث بسبب:
- قدم تصميمها (بعضها يعود للحرب الباردة).
- ضعف دفاعات القواعد الجوية مقارنة بالصوامع المحصنة للصواريخ الباليستية.
لكن الخسائر لن تكون حاسمة لأن
- 1- روسيا تمتلك احتياطياً كبيراً من هذه الطائرات في "مرابض ومقابر الطائرات السرية ".
- 2- إمكانية إصلاح المتضرر منها خلال أسابيع أو أشهر.
اما الهدف الثاني للهجمات الاوكرانية فكان يستهدف تدمير صواريخ استراتيجية: وهو يهدد الردع النووي الروسي؟ حيث
أكدت أوكرانيا تدمير صواريخ بعيدة المدى، لكن لاصحة لذلك نظرا للاتي:
- 1- الصواريخ الأكثر تهديداً (مثل "سارمات" و"أفانجارد") محمية في صوامع تحت الأرض أو منصات متنقلة.
-2- روسيا تعتمد بشكل متزايد على الصواريخ الفرط صوتية التي يصعب اعتراضها.
واذا تناولنا الردع النووي الروسي بعد الهجوم – هل لا يزال سليماً؟ ام لا ففي الحقيقة ممكن ان نشير للنقاط الاتية
1. تمتلك روسيا أسلحة فرط صوتية وهي الترسانة التي لا تقهر
من صواريخ حديثة جدا عالميا مثل: "تسيركون" (9 ماخ) – يُطلق من السفن والغواصات.
- وصواريخ "أفانجارد" (موديل 2019) –وهو صاروخ باليستي عابر للقارات مع قدرة فرط صوتية.
- وصواريخ "كينجال" و"أوريشنيك" – وهي مستخدمة بالفعل في أوكرانيا.
هذه الصواريخ:
- لا يمكن اعتراضهابالدفاعات الجوية الحالية.
- كما يمكن ان تستخدم هذه الصواريخ في الضربات النووية والتقليدية، مما يجعلها أداة ردع مرنة.
2. الصواريخ الباليستية العابرة للقارات: العمود الفقري للترسانة النووية
- مثل صواريخ "سارمات" (RS-28): يصل مداه إلى 18,000 كم، ويحمل 15 رأساً نووياً مستقلاً.
- وكذلك صواريخ "يارس" و"توبول": صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، بعضها متنقل على شاحنات.
هذه الأنظمة:
- محمية بشكل أفضل من القاذفات الجوية.
- كما ان هذه الصواريخ تضمن قدرة للردع النووي الروسي على القيام بالضربة النووية الثانية حتى لو تعرضت روسيا لهجوم نووي مفاجئ.
اما بالنسبة للتداعيات الاستراتيجية – هل نرى تصعيداً نووياً؟
1. ردود الفعل الروسية المحتملة
- ا- تصعيد جوي: زيادة الضربات على البنية التحتية الأوكرانية باستخدام الصواريخ الفرط صوتية.
- ب- تهديدات نووية: قد يلوح الكرملين باستخدام أسلحة تكتيكية لردع المزيد من الهجمات.
- ج- ضربات إلكترونية وعمليات خاصة: لتعطيل القرار الأوكراني.
2. رد فعل الناتو وأمريكا
- ا- زيادة الدعم العسكري: قد تزود أوكرانيا بصواريخ أطول مدى (مثل ATACMS).
- ب- حذر من التصعيد: قد تضغط واشنطن على كييف لعدم استهداف مواقع نووية روسية مباشرة.
3. السيناريو الأسوأ: هل تقترب روسيا من استخدام السلاح النووي؟
- الاحتمال ضعيف لكنه ليس مستحيلاً إذا شعرت موسكو بتهديد وجودي.
- الأكثر ترجيحاً: تصعيد تقليدي باستخدام أسلحة فرط صوتية وصواريخ باليستية.
ومنه يتضح ان الهجوم الاوكراني حقق خرق نجاح تكتيكي لكن الردع النووي الروسي باقٍ لم يتاثر مطلقا
في النهاية، رغم الجرأة الأوكرانية، فإن الضربات لن تغير بشكل جذري ميزان القوى النووي. روسيا لا تزال تمتلك واحدة من أقوى ترسانات الردع في العالم، خاصة مع اعتمادها المتزايد على الصواريخ الفرط صوتية والباليستية العابرة للقارات. لكن الرسالة الأهم هي أن الحرب تدخل مرحلة أكثر خطورة، حيث يصبح استهداف المنشآت الاستراتيجية جزءاً من المعادلة، مما يزيد من احتمالات التصعيد غير المحسوب.
وتتضح حقيقة ان في حرب القوى العظمى، حتى الهجمات الناجحة قد تأتي بتداعيات غير متوقعة، واللعبة النووية لا تزال محكومة بقواعد مختلفة تماماً عن الحرب التقليدية.